محمد الجندى يكتب: شفافة ونزيهة

محمد الجندى يكتب: شفافة ونزيهة


الثلاثاء، 23 نوفمبر 2010 - 22:20 صورة أرشيفية
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
استيقظت من النوم مبكراً فى هذا اليوم ليس كعادتى فى أيام العطلات، حيث إن اليوم عطلة (إجازة) بمناسبة الانتخابات وفرصتى الوحيدة للحصول على أكبر عدد من ساعات النوم هى أيام الإجازات.

ولكنى صممت على إضاعة تلك الفرصة لأغتنم فرصة أكبر وهى أن أصبح مواطناً إيجابياً وأدلى بصوتى فى الانتخابات، خصوصاً وأن عقلى كان مشبعاً بكلام جميل وخطب رنانة من خلال لقاءات المسئولين فى كافة وسائل الإعلام عن الأختين (نزيهة وشفافة)، وهما أكثر كلمتين سمعتهما أذناى تلك الأيام، فما أن يذكر مسئول لفظ انتخابات إلا ويتبادر إلى ذهنى أن إحدى الكلمتين ستكون التالية إما نزيهة أو شفافة، فقررت أن أشارك (من أجل مستقبل أولادى) حسب الشعار الجديد.

ارتديت أجمل ما أملك من ثياب تتناسب مع هذه المناسبة (الغالية والعزيزة) على قلوبنا جميعا، علما بأن (غالية وعزيزة) ليستا من أقارب (نزيهة وشفافة)، ومضيت فى طريقى إلى أن وصلت إلى لجنة الانتخاب فرأيت جنود الأمن المركزى، ورجال الشرطة مصطفين على جانبى اللجنة ليس لركلى أو ضربى أو سحلى لا سمح الله، ولكن لتنظيم الدخول والخروج من اللجنة ليس إلا.

واستقبلنى شخص يرتدى الملابس المدنية ويحمل جهاز لاسلكى، فأدركت أنه من رجال الشرطة المسئولين عن تأمين سلامتى وتنظيم الدخول والخروج من اللجان، فقال لى والابتسامة ملء وجهه (اتفضل حضرتك من هنا) فشكرته ودخلت اللجنة متوجها إلى السيد القاضى المسئول عن اللجنة، حيث أن للقضاء الإشراف الكامل على الانتخابات، فطلب منى إبراز بطاقة الرقم القومى، حيث من المعروف أن الانتخابات فى بلدنا تتم عن طريق الرقم القومى منعاً لأى تزوير أو تلاعب.

أدليت بصوتى خلف ساتر (ستارة) ووضعت ورقة اختيارى فى صندوق شفاف، ولم أنسى وأنا داخل اللجنة أن أسأل عن الأشخاص الآخرين الموجودين، فعلمت أنهم من منظمات المجتمع المدنى، ولهم الحق فى متابعة سير الانتخابات، فحمدت الله على ما ننعم به من (نزاهة وشفافية).

خرجت من اللجنة وأنا فخور لما وصل إليه حال الانتخابات فى بلدى واستقليت سيارتى عائداً إلى منزلى، وفجأة وأنا فى طريقى وبدون مقدمات سمعت صوت صياح وضرب، وشممت رائحة دخان القنابل المسيلة للدموع، فأدركت أنها ليست حرب أهلية ولكنها عادة الانتخابات والمصادمات بين الشرطة وأنصار المرشحين أو المعارضة.

وكانت صدمتى الكبرى حينما وجدت نفسى على سريرى وأن كل ما رأيته من أحداث كانت أحلام فى أحلام، والحقيقة الوحيدة هى تلك المصادمات بين الشرطة والشعب، فأيقنت أنى لم أذهب أصلاً للإدلاء بصوتى لأن هناك من يقوم على راحتى ويدلى بصوتى بدلا منى، وحتى بدلا من الأموات فأدركت أن الحكومة تسعى لتخليد ذكراهم، فلا قضاء يتولى الإشراف على سير الانتخابات، ولا منظمات مجتمع مدنى ولا ابتسامات عريضة، ولا (من أجل مستقبل أولادك)، فأنا أصلاً ليس لدى أولاد ولا يحزنون.